سوق درب غلف.. قلعة "قراصنة" دوخوا العالمرغم زخات المطر، تبدو الحركة دائبة في سوق درب غلف، الواطيء قبالة عمارات تتطلع إليه من فوق. وإذا
كان يجتمع في هذا السوق الشهير ما يتفرق في غيره، فإن جليل، المهووس
باكتشاف آخر "تقليعات" قراصنة درب غلف، فيما يخص هاتفه الذكي "الآيفون"،
يحل به لمتابعة آخر التطبيقات كلما سنحت له الفرصة بذلك
"إن الآيفون والكلاكسي هما أيقونتا
العالم الإلكتروني، وهنا في درب غلف أصبح البحث في تطبيقاتهما مجالا يدر
الكثير على بعض الأدمغة"، قال جليل، بهمس قبل أن يمد هاتفه إلى بوشعيب الذي
يركن محله في مكان قصي بالسوق.
كان محمد يريد إدخال برنامج معلوماتي مقرصن على هاتفه يسمى "CYDIA"
وهو البرنامج الذي يوفر العديد من مصادر تطبيقات أجهزة "التفاحة المقضومة"
والتي تفي بتحميل ما لا حصر له من برامج تعرض للبيع بأثمان مكلفة على بعض
المنتديات الإلكترونية الخاصة، عبر برنامج "الآبل ستور" الخاص بـ"الأيفون"
أو "الآيباد" أو حاسوب "الماكنتوش".
بوشعيب قادر على قرصنة برامج "الآبل
سطور" الخاص بـ"الآيفون" و"الأندرويد" الخاص بـ"سامسونغ غالاكسي، وبذلك
يمكن هذين الهاتفين من الانفتاح على عوالم خارج حدود القانون أو ما يعرف
مجازا بالإنجليزية بـ"JAILBREAK".
ناول محمد هاتفه إلى بوشعيب الذي راح
يربطه بحاسوبه الشخصي، قبل أن ينغمس في عمله، بينما طفق الزبون يلتفت يمنة
ويسرة، كانت تبدو عليه أمارات لهفة غير اعتيادية، أرجع سببها إلى أنه لا
يعرف إن كان هاتفه سيقبل البرنامج الذي يحاول بوشعيب إدخاله أم لا ؟، قبل
أن تند عن فمه آهة استرخاء حينما بلغ مسامعه صوت لحسن مخبرا إياه بنجاح
عملية "القرصنة".
قدم محمد إلى بوشعيب مقابلا ماليا محددا
في 200 درهم، قبل أن يدس هاتفه في جيبه، ويذوب بين رواد درب غلف، ولم يعد
يلوي على شيء هنا في السوق بعد قضاء حاجته.
بخلاف بوشعيب "الطيط" (كناية على الرأس
بالفرنسية) هو قرصان مشهور، كما "سيلفر" بطل سلسلة جزيرة الكنز الكرتونية،
لكنه لا يضع عصابة على عينيه، ولم يكن هناك ببغاء يقف على كتفه، فرجلاه
تبدوان سليمتان وهو لا يجوب البحار ولا يمخر عباب المحيطات، ولا يبحث عن
الكنوز المدفونة في جزر تتناثر في جهات العالم الأربع.
إنه "قرصان" استحق لقب "الطيط" بين
ظهراني تجار درب غلف، لأن تحت رأسه يختفي دماغ يقهر السرية التي تلف
البرامج المعلوماتية، إذ أنه يملك حاسوبا متطورا في منزله يتوسل به لقرصنة
وتحميل برامج ذات أهمية بالغة ثم يحولها على أقراص مدمجة ويصنع منها نسخا
كثيرة قبل أن يعرضها للبيع في زاويته المعهودة، ومن بين ما يبيعه برنامج
المحاسبة المعروف بـ"سيال" بثمن محدد في 10 دراهم فقط.
طلب عدم الإفصاح عن اسمه، الحقيقي،
واكتفى ملمحا بغمزة إلى أنه معروف باسمه الحركي حينما ناداه أحد جيرانه في
السوق بـ"الطيط"، كان يعتمر قبعة ومنهمكا في تصفيف الأقراص التي يعرضها
للبيع، ويتجاذب أطراف الحديث جهارا مع تجار يجاورونه في وسط الممر الضيق
داخل سوق درب غلف.
تظهر علامات اليسر على وجوه أغلب زبناء
"الطيط" من الباحثين على برامج الكمبيوتر، كانوا يسألونه عما يريدون
اقتناءه، ولا يتهاودون على الأثمان التي يصرح لهم بها، وقال أحدهم بشأن
الثمن المصرح به إنه رخيص بالنسبة لبرنامج معلوماتي دقيق يساوي ملايين
السنتيمات.
على مقربة من "الطيط" تتناثر أعداد من
المحلات المهيأة لبيع الهواتف النقالة وأجهزة التقاط القنوات الفضائية،
ويقبع داخلها باعة ينهمكون على تلبية طلبات زبناء آخرين مبلغ همهم "إعادة
برمجة"مستقبلات القنوات الفضائية حتى تتمكن أجهزتهم من التقاط قنوات تتطلب
أداء اشتراكات دورية.
"إنهم عباقرة، يجعلوننا على حد السواء مع
غيرنا من سكان العالم" بامتنان أكد زبون كان يقف عند محل لبيع الأجهزة
الالكترونية، ثم أردف قائلا إنه يريد اقتناء مستقبل "RECEPTEUR"
جديد أخبره بشأنه زميل في العمل مشيرا إليه أنه يوفر إمكانية مشاهدة
مباريات عصبة الأبطال الأوربية بعد إدخال شيفرة "كود" يجلب المباريات إلى
المنزل دون اقتناء بطاقة اشتراك خاصة بذلك، استطرد أن الفكرة راقته وهو
يتمنى متابعة مباريات "تشامبيونز ليغ" في بيته