إسماعيل عزام*
الجمعة 01 يونيو 2012 - 21:51
في
الوقت التي تنادي فيه العديد من الجمعيات المدنية والحقوقية خاصة النسائية
منها بتمكين المرأة من جميع حقوقها الكونية التي تكفل لها مساواة تامة مع
شقيقها الرجل، توجد شريحة واسعة من النساء تقتنع أن دورها هو أن تكون تابعة
للرجل بشكل تام، وهي الشريحة التي تستقي بشكل او باخر أفكارها من
الشريعة..
شريحة
تعض على أفكارها بالنواجذ ولا تتنازل عنها ما دامت لا ترى من الحياة شيئا
غير الدين، وغير الجنة والنار، وغير الحرام والحلال، وغير الأجر والذنب..
نساء
لا يمكن أبدا تجاهلهن في المجتمع المغربي..فمنهن
العزباء..والمتزوجة..وكذلك الطفلة..و بجانب منزل كل واحد منا، من الضرروي
أن يتواجد منزل تخرج منه امرأة ملثمة لا يظهر منها أي شيء..سواء أكنا من
الطبقة الفقيرة..المتوسطة..أم حتى الميسورة..
إنهن نساء السلفية: مقتنعات بالنقاب..بالتعدد.. وبأشياء أخرى قد لا تخطر على البال..
كان
من الصعب إجراء حوارات مع هذه الشريحة من النساء..خاصة وأن الكثير منهن
رفضن حتى فكرة الحديث..فكان من الضروري أن نصوغ معلومات عن 3 نماذج من نساء
السلفية انطلاقا من شهادات أقربائهن وصديقاتهن..وهي الشهادات التي حاولنا
أن تكون متنوعة حتى لا نسقط في فخ الشهادة الواحدة التي لا تظهر لك سوى
جانبا معينا من الكأس..
راضية:
شابة سلفية لأقصى الحدود.. لم
يكن واحد من عائلة راضية يعتقد أن هذه الفتاة المبتسمة دوما ستدخل لجماعة
السلفية من بابها الواسع، فهذه الفتاة القروية التي كانت تعمل في منازل
عائلتها بالمدينة منذ الصغر، كانت محبوبة لدرجة أن العديد من أفراد عائلتها
كانوا ينظرون لها كأخت وليس كمجرد خادمة من العائلة..
انتقلت
مع عائلتها القروية للسكن بالمدينة بشكل نهائي خاصة مع توالي سنوات الجفاف
في قريتها ، اختاروا إحدى المدن الصغيرة القريبة من تارودانت للاستقرار،
ولم يجدوا مشكلة كبيرة في تحصيل لقمة العيش، فالأب والإخوة تجار جيدون في
تجارة الأغنام، لذلك وجدوا موطأ قدم لهم بسرعة في أسواق المدينة.
غير
أن راضية، التي لم تكن بتلك الفتاة المداومة على الصلاة، التقت يوما بإحدى
أخوات السلفية، التي حدثتها عن جحيم الآخرة، وعن سبب القحط والجفاف، وعن
السعادة التي ستجدها إن هي التزمت ودخلت لجماعة السلفية، لتتغلغل هذه
الأفكار بسرعة في وعي راضية، التي قررت منذ ذلك اليوم أن تتبع خطى هذه
الأخت التي وصفتها راضية بأنها "السبب في سعادتها الحالية"..
بدأت
راضية تداوم على حضور صلاة العصر في مسجد يؤمه السلفية لكي تستمع للدروس
التي تلقيها نساءهم، بعد ذلك صارت تزور بشكل منتظم دار القران، حيث تحفظ
آياته وحيث توطدت علاقتها بالعديد من الأخوات، ثم نقلت أفكارها للمنزل،
فحرمت عليهم التلفاز نظرا لكونه بدعة، وحرمت عليهم الموسيقى لأنها "من
مزامير الشيطان"، وأمرت أختيها الصغيرتين بارتداء الحجاب، فارتدته واحدة عن
اقتناع والأخرى فقط لجبر خاطر راضية الفتاة البكر في المنزل وصاحبة القرار
الرسمي، الأم كذلك تأثرت بأفكار راضية وان لم تقو على ارتداء النقاب، أحد
إخوتها تأثر بأفكارها فأطال لحيته ولبس اللباس الأفغاني وصار يعتكف في
المساجد، بينما لم تستطع أفكارها التأثير في الأب الذي بقي على عاداته
القديمة من مشاهدة لشيخات "العيطة" ولعب "ضامة" مع أصدقاءه..
جمال
راضية لم يبق حبيس دائرة الأخوات المنقبات، بل وصل إلى الإخوان، الذين
وصلت أخبار وجود شابة جديدة في دائرة السلفية إلى مسامعهم، فاتفقوا على أن
يتزوجها واحد منهم لا زال عازبا ويعمل فلاحا، وهو ما كان، حيث عقد القران
دون حفل ولا موسيقى ولا أي صخب..
دخول
راضية إلى دائرة السلفيين، وزواجها بواحد منهم، جعلها تتحاشى لقاء جميع
أفراد العائلة من الذكور ممن لا تشملهم صفة محْرم، لذلك عدها بعض أبناء
أخوالها وأعمامها كالميتة بالنسبة لهم ما دامت قد حرمت عليهم رؤية وجهها
منذ سنوات.
رشيدة ومعاملة قاسية لأولادها
سنوات طويلة وهي مع السلفية، كل شيء في حياتها يتمحور حول هذا التيار، زوجها ومنزلها و..حتى أبناؤها..
منعت
رشيدة على أبنائها الصغار التوجه لرياض الأطفال، واكتفت بتعليمهم في البيت
بعض الأساسيات إلى حين وصولهم لسن الدخول للمدارس الابتدائية، ولذلك بسبب
أن هذه الرياض تعلم الأطفال عن طريق الموسيقى المحرمة والأناشيد المكروهة،
ولا تعلمهم القرآن الكريم بالشكل المطلوب..
ليس
فقط رياض الأطفال هي الممنوعة، ولكن كذلك اللعب في الشارع، فهو يلهيهم عن
الصلاة وعن الذكر، لذلك عليهم أن يلعبوا أمامها في البيت لكي تعرف كيف تضبط
وقتهم ولا يصل لوقت الصلاة..
على
بناتها الصغار ارتداء الحجاب حتى ولو كان عمر الصغيرة 5 سنوات فقط، لأنه
حسب رشيدة، فتعليم البنات منذ صغرهن ارتداء الحجاب يجعلهن يتمسكن به في
الكبر، ويتحولن في وقت لاحق إلى النقاب دون أي صعوبة تذكر، لذلك فالسروال
ممنوع بشكل تام عليهن، لأنه ماركة غربية مستوردة هدفها إظهار جمال المرأة
وليس سترها كما يفعل الثوب الطويل الفضفاض، وكذلك التنانير والأقمصة
القصيرة وما إلى ذلك..
إرسال
الأبناء إلى دار القرآن أمر أساسي ولا محيد عنه بالنسبة لرشيدة، ليس فقط
لتعلم القران وأصوله، وإنما أيضا قصد تعلمهم لبعض الأمور الأساسية بالنسبة
للسلفيين وهي التذكير بعذاب القبر والآخرة، ومرافقة آبائهم للدروس
والمواعظ، وحتى لجلسات تغسيل الموتى، التي تعد تقليدا راسخا بالنسبة
للسلفيين كي "يخشع القلب ويتعظ بمآل الإنسان."
رشيدة
لا تغسل لأولادها الذكور الذين يتجاوزون 4 سنوات، لأن ذاكرة الطفل بالنسبة
لها تبدأ في تخزين الأمور الجنسية ومن الممكن أن يحس برغبة جنسية ما وهو
مع والدته داخل الحمام، لذلك فإما أن يغسل له والده شرط أن يلبس لباسا يستر
عورته، أو أن يتدبر أمر غسله ونظافته بمفرده.
سعيدة..والبحث عن زوجة ثانية لزوجها..
منذ
أشهر وسعيدة تبحث عن زوجة لزوجها، ليس لأنها مريضة بمرض يمنع عليها معاشرة
زوجها جنسيا، فهي في صحة جيدة، وليس لأنها بلغت من الكبر عتيا، فلا زالت
في بداية العشرينيات من عمرها، وليس لأنها تفكر في الطلاق من زوجها، فهي
تحبه ومخلصة له، ولكن بكل بساطة: لأن تعدد الزوجات أمر مستحب بشكل كبير
بالنسبة للسلفية.. المشكل الذي وجدت، هو أن أغلب الشابات السلفيات يرفضن
بسبب أن الزوج لا يتوفر على سكن يمكنه من عزل الزوجتين، فسكنه يتوفر فقط
على غرفتين ومطبخ وحمام، وبالتالي فمن الصعب تواجد زوجتين فيه بدون أن
تخلقا له العديد من المشاكل..
كما
أن الفتيات يرفضن، نظرا لأن سمعة الزوج ليست بتلك المميزة رغم أنه هو
الآخر سلفي، فعلاقته ليست دائما على ما يرام بالجميع بالنظر إلى عدم تعامله
بشكل لائق مع السكان، وبالتالي فهن يخشين أن تتحول الحياة معه إلى جحيم..
ضرب
الزوج الذي يعمل صباغا لسعيدة هو أمر عادي، بل ومطلوب، فالنسبة لها، ضرب
الزوجة من الصفات المحمودة لدى الرجل، لأن العديد من الصحابة كانوا يضربون
زوجاتهم، حتى ولو كان السبب ضعيفا ولا يستوجب ذلك، لذلك، لا تشكي سعيدة
أبدا لعائلتها اعتداءات زوجها المتكررة عليها، حتى ولو ظهر وجهها منتفخا
بفعل الكدمات الكثيرة التي تستقبلها.
لا
وجود للتلفاز في بيت سعيدة، فهو بدعة أتت من عند "الكفار"، ومليء بالفتن:
بالمتبرجات، بالرجال الوسيمين الذين تظهر عورتهم وهم يلعبون كرة القدم،
بالفيديو كليبات المليئة بالرقص، بمقدمات الأخبار اللواتي يضعن
الماكياج..باختصار التلفاز لا ضرورة له بالنسبة لراضية وزوجها.
نفس
الأمر ينطبق على الموسيقى التي لم تسمعها سعيدة منذ أن تنقبت، فهي مزمار
من مزامير الشيطان، تدخل إلى الأذن فتنقص من الحسنات الشيء الكثير،
الموسيقى بدعة ولغو يلهي عن ذكر الله، كما أنها توقظ الحواس الجنسية،
وبالتالي فهي محرمة قطعا ولا جدال في ذلك.
3
أسئلة لفتيحة أعرور(ناشطة نسائية وعضو في حزب الاشتراكي الموحد)
1. لماذا انتشر المد السلفي بين الكثير من النساء المغربيات؟
لا
بد من التأكيد على أن هناك توجه عام يميل إلى المحافظة، ليس في المغرب
فحسب بل في العديد من دول العالم، فقد رأينا كيف صعد اليمين المتطرف في
أورباً، إذن لا غرابة إزاء هذا الوضع في أن يبرز وينتشر الفكر السلفي الذي
ليس سوى حركة سياسية مؤسسة على إيديولوجية محافظة، غير أن انتشاره عموماً
يعود لأسباب من بينها انحصار الفكر اليساري والحداثي والذي ركز في مرحلة
معينة على الهجوم على الدين بدعوى "تحرير الإنسان"، بدل التركيز على قيم
الحرية بما فيها حرية المعتقد والضمير، و الدور السلبي الذي لعبته الثروة
النفطية التي تحولت إلى أداة جذب إلى الوراء تخدم أجندة دول الخليج
وأنظمتها من خلال العمل على نشر الفكر السلفي الوهابي.
بخصوص
انتشار المد السلفي في أوساط المغربيات، لا بد من التنبيه إلى غياب
إحصائيات دقيقة حول عدد النساء السلفيات في المغرب، غير أنه يمكن القول بأن
هذا الانتشار، قد يعود إلى وعي الحركات الدينية عموماً بالدور المحوري
للمرأة في نشر القيم والأفكار ونقلها إلى الأطفال والمحيط، ومن ثم تركيز
الاستقطاب على فئة النساء، فالنساء في الغالب هن الأكثر محافظة بسبب
ارتباطهن بالهوية من جهة، وبسبب ارتفاع نسبة الفقر وتدني المستوى التعليمي
في أوساطهن، فكلما تدني المستوى المعيشي تدنى معه المستوى الفكري والمعرفي
والعكس صحيح.
2.ما هي خطورة هذا المد بالنسبة لقضية المرأة في بلد صادق على مجموعة من الاتفاقيات المنصصة لاحترام حقوق المرأة؟
لا
أريد أن أكون متشائمة إلى هذا الحد وأسلم بأن قضية المرأة مهددة، فالحركة
النسائية رغم موقفي من المنحى الذي نحته في السنوات الأخيرة، ورغم خفوت
بريقها إلى حد ما، فهي تبقى حركة متميزة من حيث النوع ومن حيث الإيمان
بالرسالة المنوطة بها وما راكمته من نضالات ومكتسبات، وهناك جيل جديد من
النساء القادرات على حمل مشعل النضال النسائي. غير أنه لا يمكنني أن أكون
مع ذلك مفرطة في التفاؤل، فالخطاب السلفي أصبحنا نسمعه في كل مكان، في
المحطات الإذاعية والتلفزية الوطنية وفي الإعلام البديل من انترنيت
وغيره... لقد أصبحنا نسمع بفتاوى مقززة وغريبة، كمضاجعة الأموات ووصف
اليهود بالنجاسة واعتبار الأشخاص الذين يعانون من خلل عقلي نتاج زواج بين
الإنس والجن...!! لا أخفي أن مثل هذه الآراء تثير قلقي كمناضلة نسائية،
وتجعلني أحيانا أشك في المستقبل ما لم تتم التعبئة الكافية خاصة من طرف
الحركة النسوية التي عليها أن تنزل من برجها العاجي وذلك من أجل مواجهة
فكرية مضادة تعمل على نشر الأفكار التنويرية وقيم التسامح والحق في
الاختلاف وحرية المعتقد والضمير.
3. ألا ترين أن صعود العدالة والتنمية قد يفتح الباب لازدهار هذا المد السلفي؟
لا
أعتقد أن صعود هذا الحزب سيفتح الباب أمام ازدهار المد السلفي، فالعدالة
والتنمية حزب سياسي نزل إلى المعترك وهو يدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن
الإيديولوجية المبنية على الإقصاء وعدم التسامح وعدم الإيمان بالحق في
الاختلاف لم تعد مقبولة على الإطلاق، والحل هو بناء مجتمع يتعايش فيه
الجميع مهما كانت اختياراتهم الدينية أو الفكرية أو المذهبية، وقد يكون
صعود العدالة والتنمية قد يكون "عامل تلطيف"، إن صح القول، لمواقف الحركة
السلفية.
أبو حفص المغربي: بعض الفتاوى التي تعمل بها نساء السلفية "متخلفة" و"متطرفة"
تحدث
محمد عبد الوهاب رفيقي الداعية الإسلامي المعروف بأبو حفص عن أن النقاب
مستحب وغير واجب في قول جمهور العلماء، وهو القول الراجح الذي تدل عليه
الأدلة الصحيحة، فالمجتمع النبوي شمل المنقبات والمحجبات، فلا ينبغي إلزام
الناس بما لم تلزم به الشريعة، غير أن الأمر يبقى اختياريا، فالنقاب ليس
طمسا لهوية المرأة وإنما حياء وخلق حميد إن هي ارتدته بقناعتها، وذلك على
حد تعبيره.
وأضاف
أن سبب كثرة النساء السلفيات المنقبات يعود إلى بعض الفتاوى القادمة من
الجزيرة العربية التي تلزم بذلك ، والتي لا يوافقها هو الرأي ما دام رافضا
إلزام المرأة على النقاب الذي لم ترتديه الكثير من أعلام النساء المسلمات،
كما أن هذه الفتاوى التي تعود لتراث فقهي ساد في عصور من التخلف هي التي
تنتج التشدد، حيث صرح بأن فقه المتأخرين لا يتلاءم أبدا مع ما كرم الله به
المرأة.
وأفاد
أبو حفص الذي سبق له أن قضى 9 سنوات سجنا في إطار ملف السلفية الجهادية،
أن التيار السلفي يستقطب النساء نظرا لبساطة خطابه واستعماله للعواطف،
داعيا النساء السلفيات إلى عدم التشدد وإلى الالتزام بالحجاب الشرعي الذي
يحقق الستر وكذلك المشاركة في الحياة العامة بما فيما السياسة والاقتصاد
والمجتمع، فلا بد للخطاب السلفي في نظره من تصحيح نفسه ومن التخلص من
الفتاوى المتطرفة.
بين الدين والدنيا..أين تقف المرأة السلفية؟
يبدو
أن وجود إحصائية دقيقة حول النساء السلفيات بالمغرب تبقى غائبة، ومع تعذر
إيجاد هذه الإحصائية يتعذر أيضا الإلمام بجميع جوانب الموضوع ما دام
البعض منها أثار جدلا لم يتوقف خاصة ما يتعلق بالنقاب وعلاقته بالأمن
وبقوانين الكثير من الدول التي تفرض على الإنسان إظهار وجهه للتعرف على
هويته..
الكثير
من الرافضين للنقاب بالمغرب يبنون رأيهم على دواع أمنية ما دامت المرأة
المنقبة مجهولة الهوية وقد يتم ارتكاب جرائم وانتحال شخصيات باستعمال معين
للنقاب، وهناك من الرافضين من يبني رأيه على دواع دينية يرى فيها أن النقاب
ليس من الإسلام بشيء وهو نوع من التشدد ، وهناك من الرافضين من يرى في
الحجاب عموما حصر للمرأة في دائرة العورة التي لا يراد منها سوى النظر
للمرأة كجسد..
أما
المؤيدون، فهم يرون في النقاب إما وجوبا دينيا، أو ثوابا مستحبا، أو وسيلة
لإخفاء المرأة جمالها الفاتن، إضافة لتأييدهم الكثير من ممارسات النساء
السلفيات ما دمن لا يردن من ذلك في نظرهم سوى إعلاء راية الدين وتحقيق شعار
"الإسلام هو الحل" حتى ولو أتى بأجساد مظلمة..
بين
هؤلاء وأولئك، تبقى المرأة السلفية وفية لنقابها ولأذكارها، غير عابئة لا
بدستور يركز على المساواة، ولا بقانون يتحدث عن تقنين التعدد، ولا بواقع
أكدت فيه المرأة مكانتها على جميع الأصعدة.
المصــــــــــــــــــــــــــدر